الخميس | 25/04/2024 - 03:10 صباحاً - بتوقيت القدس
رأيتها تبتاع دمية من الدكان المقابل للمقبرة الجنوبية , بينما كنتُ أنا أنتظر حارس المقبرة ليستيقظ من غيبوبته ويسمح لي بالدخول ، كانت السماء صفراء والغيوم تكاد تبكي وعينايَ أيضاً ..!
كنت شارداً ؛ وفي رأسي ملايين الأشياء التي لا تستحق التفكير ولكن كوني وحيداً ؛ أصبح التفكير فيها واجباً وطنياً
أفكر في بنطالي الذي اتسخ قبل أيام وإلى الآن لم أتعلم كيفية تشغيل الغسالة
أفكر في علبة سجائري التي بقي على انتهاءها سيجارة واحدة ، ستحترق في فمي عندما أجلس بجانب ذاك القبر وأبكي
أفكر في مراد ابني الذي تزوج قبل شهرين وتركني لوحدي أتشاجر مع بيت العنكبوت القابع في سقف المطبخ
أفكر في عمر ابني الكبير الذي تأخر عن إحضار مصروفي لهذا الشهر ، تراه سينسى ؟ كيف سأطلب منه الدراهم كي أسدد فاتورتي الكهرباء والمياه؟
أفكر في ابنتي رويدة التي عادت لبيت زوجها الاسبوع الماضي بعدما أتتني تبكي خيانته ووضاعته !!
وما أن دمعت عيني على رويدة حتى رأيتُ ذكرياتي كلها تدخل الدكان لتبتاع دميةَ بشعر أشقر , وتلف على رقبتها شالاً خمرياً كلون خدودها التي اشتهيت تقبيلها يوم كنت أناديها "وردتي"
كيف لا أعرفها ؟ هي ذاتها ابنة عمتي "رويدة" التي أسميت ابنتي الوحيدة على اسمها ، هي ذاتها معشوقتي في شبابي و"أسراري التي فضحوها" حتى صارت قصتي معها قضية العائلة وحديثهم في وقت الفراغ
إلى أن تزوجت وصارت رويدة ملكاً لغيري
إلى أن عانق بنصرها خاتماً ليس من أموالي
إلى أن قالت "زوجتك نفسي" لرجلٍ لا يشبهني لرجلٍ غيري
..
اقتحم شرودي سؤالاً "تُرى ! لو تزوجت رويدة هل سينبت ذات الشعر الأبيض النابت فوق رأسي؟"
..
آخر مرة رأيتها فيها حين حضرت حفل زفاف مراد ، كنتُ واقفاً أتأمل تجاعيدها التي يلامسها ستينيّ غيري
كانت آية في الجمال ، تلك الحسناء ما زالت عالقة بأوردتي
ما زال وجهها يغريني ..!
أووه يبدو أنها رأتني ، سأنفض الغبار عن قبعتي وأحاول إخفاء تجاعيدي
أتت ويبدها الدمية الشقراء وقالت
- ألم يسمحو لك بالدخول ؟
أجبتها :
- وعليكم السلام ، الحمد لله أنا بأحسن حال ماذا عنكِ ؟
فـ ابتسمَتْ وذابت عضلتي المتكومة في يسار صدري
ثم هبّت ريحاً شقية وداعبت شالها الخمري كي يتخمّر عطرها بأنفي .. و .. أتشنّج أنا ..!
لم يتغير عطرها ولم تتغير الفراولة المتشبثة على شفتيها
قالت :
أعتذر .. هاا؟ أخبرني ما رأيك بالدمية ؟ اليوم عيد ميلاد ياسمين حفيدتي وهذه الدمية من أجلها
"ثم نظرت إلى ساعة يدها معلنةً تأخرها ثم تابعت :
جداً أعتذر تأخرت عن موعد الحفلة .. أراك لاحقاً .
ورحلت !
دون أن تترك لي القليل من لوز عيونها , دون أن تجعلني أتذوق تلك الفراولة ولو لمرة واحدة في عمري ..!!
..
لم أشعر بأيّ رغبة للبكاء ولكن حاجتي للصراخ كانت غريبة
فأشبعت حاجتي بالصراخ على حارس المقبرة كي يصحو
ثم استيقظ ذاك الأحمق وسمح لي بالدخول إلى قبر زوجتي
مشيتُ وكلّي خجل من زوجتي التي تبخرت عظامها من الموت !
وكـ بقية الأزواج الذين يدّعون الإخلاص جلستُ بجانب قبرها وقرأت الفاتحة على روحها الطاهرة ، أخبرتها عن الأولاد وعن الأحفاد وعن بيت العنكبوت
ثم ..
انتهت علبة سجائري .
#لينا_لفداوي
يناير 2015
الفجر | 04:31 |
الظهر | 12:37 |
العصر | 04:17 |
المغرب | 07:16 |
العشاء | 08:44 |